شكراً، رسالتكم قد أرسلت
يوحنا ١٤:١
تفاسير
تفسير الكتاب المقدّس - جون ماك آرثر (جون ماك آرثر)
١: ١-١٨ تؤلِّف هذه الأعداد المقدِّمة التي تَعرِضُ العديد من المواضيع الرئيسيَّة التي سوف يعالجها يوحنا، ولا سيّما الموضوع الأساسيّ، وهو أنّ «يسوع هو المسيح ابن الله» (ع ١٢-١٤ و١٨؛ رج ٢٠: ٣١). هذا وتظهر هنا عدَّة كلمات تُعتَبر مفاتيح أساسيَّة تتكرَّر خلال الإنجيل (مثل الحياة والنور والشهادة والمجد). أمّا بقيَّة الإنجيل فهي توسيع لموضوع المقدِّمة، حيث «كلمة» الله الأزليِّ، يسوع المسيح، وابن الله، صار جسدًا وخدم بين الناس حتّى إنّ جميع الذين يؤمنون به سيَخلُصون. ومع أنّ يوحنا كتب مقدِّمته بأبسط كلام في العهد الجديد، فإنّ الحقائق التي تتضمَّنها المقدِّمة هي الأعمق. هذا وتصوِّر المقدِّمة ستَّ حقائق جوهريَّة عن المسيح بصفته ابن الله: ١) المسيح الأزليُّ (ع ١-٣)؛ ٢) المسيح المتجسِّد (ع ٤ و٥)؛ ٣) المُعِدُّ الطريق أمام المسيح (ع ٦-٨)؛ ٤) المسيح الذي لم يعرفوه (ع ٩-١١)؛ ٥) المسيح القادر على كلِّ شيء (ع ١٢ و١٣)؛ ٦) المسيحُ المجيد (ع ١٤-١٨).
١: ١٤ والكلمةُ صارَ جسدًا. بما أنّ المسيح هو مثلُ الله غير مخلوق وأزليٌّ (رج ح ع ١)، فإنّ الكلمة «صارَ» تؤكِّد صيرورة المسيح إنسانًا (رج عب ١: ١-٣؛ ٢: ١٤-١٨)، وهذه الحقيقة هي بالتأكيد في منتهى العُمق، لأنها تُبيِّن أنّ اللاّمحدود أصبح محدودًا، والأزليُّ بات خاضعًا للزمن، وغير المنظور أمسى منظورًا، والخارق للطبيعة حَجَّمَ نفسه ليصبح طبيعيًّا. بَيدَ أنّ «الكلمة» في التجسُّد، لم يتوقَّف عن أن يكون الله، بل أصبح الله في جسدٍ بشريٍّ، أي الألوهيَّة غير المنقوصة في هيئةٍ بشريَّةٍ كإنسان (١تي ٣: ١٦).
حَلَّ. تعني «ينصب خيمةً» أو «يسكن في خيمة». وهذا التعبير يُعيد إلى الذاكرة خيمة العهد القديم حيث كان الله يلتقي بني إسرائيل قبل بناء الهيكل (خر ٢٥: ٨). وكانت تُدعى خيمة الاجتماع (خر ٣٣: ٧؛ و«خيمة الشهادة» في الترجمة السبعينيَّة)، حيث «يكلِّم الربُّ موسى وجهًا لوجهٍ كما يكلِّم الرجُل صاحبه» (خر ٣٣: ١١). أمّا في العهد الجديد، فقد اختار الله أن يسكن بين شعبه بطريقة شخصيَّة أبعد بكثير، وذلك عبر صيرورته إنسانًا. وحين انتهوا في العهد القديم من نصب الخيمة ملأَ حضور الله «الشكينة» البناء كلَّه (خر ٤٠: ٣٤؛ رج ١مل ٨: ١٠). وحين صار «الكلمةُ» جسدًا، تجسَّد فيه أيضًا حضور الألوهيَّة (رج كو ٢: ٩).
ورأينا مجدَه. وعلى الرغم من أنّ ألوهيَّته قد تكون احتَجَبَت خلف الجسد البشريّ، فإنّ ومضاتٍ من جلاله الإلهيِّ تظهر في الأناجيل. وقد رأى التلاميذ ومضاتٍ من مجده على جبل التجلِّي (مت ١٧: ١-٨). على أنّ الإشارة إلى مجد المسيح لم تكن فقط عيانيَّة، بل أيضًا روحيَّة. فقد رأوه يُبرِز صفات الله أو سجاياه (النعمة والصلاح والرحمة والحكمة والحقّ... رج خر ٣٣: ١٨-٢٣).
مجدًا
كما... من الآب. لقد أظهر يسوع، بصفته الله، المجد الأساسيَّ نفسه، كما الآب. فهما واحد في الجوهر (رج ٥: ١٧-٣٠؛ ٨: ١٩؛ ١٠: ٣٠).
لِوَحيدٍ. إنّ ترجمة هذا التعبير من اليونانيَّة تُعوِزه الدقَّة. فالكلمة لا تأتي من التعبير الذي يعني «يُنجِب»، بل إنها تحمل بالمقابل الفكرة التي تعني: «المحبوب الوحيد». فهي إذًا تتضمَّن معنى الوحيد الفريد الذي لا يُحَبُّ أحدٌ مثله. وبهذه الكلمة يؤكِّد يوحنا الصفة الحصريَّة التي للعلاقة بين الآب والابن في الثالوث (رج ٣: ١٦ و١٨؛ ١يو ٤: ٩). فهي لا تتضمَّن معنى الأصل، بل الفرادة السامية، وقد استُخدِمت على سبيل المثال مع إسحاق (عب ١١: ١٧) الذي كان الابن الثاني لإبراهيم (كان إسماعيل الابن الأوَّل، رج تك ١٦: ١٥ مع تك ٢١: ٢ و٣).
مملوءًا نعمةً وحقًّا. ربّما كان يرتسم في ذهن يوحنا آنذاك خر ٣٣ و٣٤. ففي تلك المناسبة طلب موسى من الله أن يُريَهُ مجده. وقد أجاب الربُّ موسى بالقول إنه سوف يُجيزُ كلَّ «جُودَتِه» قدَّامه، وعندما اجتاز الله قدَّامه قال: «الربُّ إله رحيم ورؤوف بطيء الغضب وكثير الإحسان والوفاء» (خر ٣٣: ١٨ و١٩؛ ٣٤: ٥-٧). هذه الصفات التي لمجد الله تؤكِّد صلاح شخصيَّة الله ولا سيّما في ما يتَّصل بالخلاص. ويسوع الذي هو يهوه العهد القديم (٨: ٥٨؛ «الكائن»)، أظهر الصفات الإلهيَّة ذاتها حين حَلَّ بين الناس في حقبة العهد الجديد (كو ٢: ٩).
الرجاء إدخال تعليقك أو فسّر عن المشكلة التي واجهتها في الأسفل.